أزمة كشمير- صراع استعماري مستمر وضرورة المساءلة القانونية.
المؤلف: عبداللطيف الضويحي09.18.2025

تشهد العلاقات الهندية الباكستانية تصعيدًا خطيرًا ومستمرًا، ما يُنذر بمواجهة عسكرية شاملة بين الدولتين الجارتين النوويتين، وذلك على خلفية أزمة كشمير العميقة. جذور هذه الأزمة تعود إلى حقبة تقسيم شبه القارة الهندية من قبل المستعمر البريطاني عام 1947، حيث تم تأسيس دولتي الهند وباكستان على أسس دينية. ظل الخلاف قائمًا حول مصير إقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة، الذي اختار حاكمه الهندوسي الانضمام إلى الهند رغمًا عن رغبة غالبية السكان.
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها المنطقة نزاعًا مسلحًا بين الهند وباكستان. فقد اندلعت الحرب الأولى بين البلدين في الفترة 1947-1948 بسبب قضية كشمير، وذلك إثر قرار مهراجا كشمير بالانضمام إلى الهند، مما أثار غضب واستياء سكان كشمير المسلمين. تلتها حرب أخرى عام 1965، أيضًا بسبب كشمير. وفي عام 1971، نشبت حرب ثالثة نتيجة لدعم الهند لحركة استقلال بنغلاديش، التي كانت تُعرف آنذاك بباكستان الشرقية. ثم تلا ذلك صراع محدود في عام 1999. ومنذ عام 2000 وحتى الآن، استمرت الاشتباكات الحدودية بشكل متقطع. إلا أن التوتر الراهن يكتسب طابعًا أكثر خطورة وتعقيدًا في هذه المرحلة، نظرًا لتصاعد حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى بدوره إلى تفاقم العديد من الخلافات والصراعات في مختلف أنحاء العالم.
لقد ترك الاستعمار البريطاني وراءه إرثًا ثقيلاً من المآسي والاضطرابات في مناطق عديدة من العالم، كما أنه زرع بذور التوتر والصراعات داخل الدول وفيما بينها. ومن بين هذه الصراعات: أزمة دولة فلسطين، التي نجمت عن وعد بلفور المشؤوم والدعم البريطاني للهجرة الصهيونية إلى فلسطين، مما أدى إلى تشريد الملايين من الفلسطينيين حتى يومنا هذا. كما تسبب الاستعمار البريطاني في تقسيم السودان إلى دولتين، وشجع على نشوب الصراعات في نيجيريا بين الشمال والجنوب، وكذلك في زيمبابوي وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى مشكلة إيرلندا الشمالية، والحدود غير المستقرة بين بورما ومينمار، وأفغانستان وباكستان، والأزمة القبرصية، ناهيك عن أزمة كشمير المستمرة.
إن استمرار هذه الأزمات وتجدد بؤر الصراع التي خلفها المستعمر بشكل متعمد من حين لآخر، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الاستعمار الغربي لا يزال يمارس نفوذه وتدخله في مستعمراته السابقة، ويعمل على عرقلة مسيرة التنمية فيها وانتهاك سيادتها. بل إن المستعمر الغربي يتحكم في المؤسسات الدولية ويعوقها عن القيام بواجباتها في حفظ السلام والأمن الدوليين، على غرار ما يفعله البريطانيون والأمريكيون في مجلس الأمن الدولي من خلال توفير الحماية لمشروعهم الاستعماري الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية، وما يتضمنه هذا المشروع من جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وتهجير قسري ضد السكان الأصليين في فلسطين والدول العربية، ومنح أرض فلسطين للعصابات الصهيونية الإجرامية. هذا بالإضافة إلى ما قامت به الدول الاستعمارية الغربية من استغلال ونهب سافر لثروات وموارد الدول التي رزحت تحت نير الاستعمار.
لذا، بات من الضروري تشكيل تحالف دولي يضم الدول التي عانت من ويلات الاستعمار البريطاني على وجه الخصوص والاستعمار الغربي بشكل عام، والقيام بعمل منظم ومدروس ومستمر لملاحقة بريطانيا والدول الاستعمارية الغربية قانونيًا وسياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا وتجاريًا، بهدف إجبار هذه الدول على الاعتراف بجميع الجرائم والمخالفات التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها بحق الشعوب والدول التي وقعت تحت نير الاستعمار، وإلزامها بدفع تعويضات كاملة وعادلة لجميع الشعوب والدول التي تضررت من الاستعمار البريطاني والغربي.
يجب أن تدفع بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الاستعمارية الأوروبية ثمن جرائمهم البشعة ضد شعوب ودول العالم الثالث، ويجب ردعهم عن الاستمرار في ممارسة دورهم الاستعماري الخفي تحت ستار شركات وهمية لنهب الموارد في الدول الأفريقية.
يشهد العالم اليوم تحولاً جذريًا في موازين القوى، وتراجعًا ملحوظًا في قوة وهيمنة ونفوذ القطب الواحد، في مقابل صعود قوى جديدة وواعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا. وهذا يفتح الباب أمام محاسبة المستعمرين الغربيين وقد يوفر فرصة سانحة لتأسيس منظمة عالمية مستقلة تسعى إلى استعادة حقوق الدول والشعوب التي عانت من ظلم الاستعمار البريطاني والفرنسي والغربي، والتي تعرضت لنهب مواردها وتهجير سكانها وتدمير حضاراتها وتمزيق كياناتها على يد المستعمرين الغربيين. يجب على بريطانيا والدول الغربية الأخرى أن تنصاع لمطالب الدول المتضررة منها على مدى عقود طويلة من الزمن، ويجب على الدول الاستعمارية دفع تعويضات كاملة وعادلة، وذلك وفقًا للقانون والآليات التي تتوصل إليها المنظمة العالمية المنتظرة، والمكلفة بملاحقة المستعمرين وإجبارهم على الاعتراف بجرائم الاستعمار في فلسطين وكشمير وأفريقيا وفي كل مكان من هذا العالم.